سورة الطور - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطور)


        


{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} مأمون العاقبة من التخمة والسقم، {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
{مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ} موضوعة بعضها إلى جنب بعض، {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ}.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} قرأ أبو عمرو: {وأتبعناهم}، بقطع الألف على التعظيم، {ذرياتهم}، بالألف وكسر التاء فيهما لقوله: {ألحقنا بهم} {وما ألتناهم}، ليكون الكلام على نسق واحد.
وقرأ الآخرون: {واتبعتهم} بوصل الألف وتشديد التاء بعدها وسكون التاء الأخيرة.
ثم اختلفوا في {ذريتهم}: قرأ أهل المدينة الأولى بغير ألف وضم التاء، والثانية بالألف وكسر التاء، وقرأ أهل الشام ويعقوب كلاهما بالألف وكسر التاء في الثانية، وقرأ الآخرون بغير ألف فيهما ورفع التاء في الأولى ونصبها في الثانية.
واختلفوا في معنى الآية، فقال قوم: معناها والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان، يعني: أولادهم الصغار والكبار، فالكبار بإيمانهم بأنفسهم، والصغار بإيمان آبائهم، فإن الولد الصغير يحكم بإسلامه تبعًا لأحد الأبوين {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} المؤمنين في الجنة بدرجاتهم وإن لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم تكرمة لآبائهم لتقرَّ بذلك أعينهم. وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم.
وقال آخرون: معناه والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم البالغون بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان بإيمان آبائهم. وهو قول الضحاك، ورواية العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أخبر الله عز وجل أنه يجمع لعبده المؤمن ذريته في الجنة كما كان يحب في الدنيا أن يجتمعوا إليه، يدخلهم الجنة بفضله ويلحقهم بدرجته بعمل أبيه، من غير أن ينقص الآباء من أعمالهم شيئًا، فذلك قوله: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ} قرأ ابن كثير بكسر اللام، والباقون بفتحها أي ما نقصناهم يعني الآباء {مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد بن عبدالله الحديثي، حدثنا سعيد بن محمد بن إسحاق الصيرفي، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جبارة بن المغلس، حدثنا قيس بن الربيع، حدثنا عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل، لتقرَّ بهم عينه»، ثم قرأ: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} إلى آخر الآية.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني عثمان ابن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل عن محمد بن عثمان عن زاذان عن عليّ رضي الله عنه قال: سألتْ خديجة رضي الله تعالى عنها النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هما في النار»، فلما رأى الكراهة في وجهها، قال: «لو رأيتِ مكانهما لأبغضتهما»، قالت: يا رسول الله فولدي منك؟ قال: «في الجنة» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار»، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذين آمنوا واتَّبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم».
{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} قال مقاتل: كل امرئ كافر بما عمل من الشرك مرتهن في النار، والمؤمن لا يكون مرتهنًا، لقوله عز وجل: {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين}، ثم ذكر ما يزيدهم من الخير والنعمة فقال:


{وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ} زيادة على ما كان لهم، {وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} من أنواع اللحمان.
{يَتَنَازَعُون} يتعاطون ويتناولون، {فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا} وهو الباطل، وروي ذلك عن قتادة، وقال مقاتل بن حيان: لا فضول فيها. وقال سعيد بن المسيب: لا رفث فيها. وقال ابن زيد: لا سباب ولا تخاصم فيها. وقال القتيبي: لا تذهب عقولهم فيلغوا ويرفثوا، {وَلا تَأْثِيمٌ} أي لا يكون منهم ما يؤثمهم. قال الزجاج: لا يجري بينهم ما يلغي ولا ما فيه إثم كما يجري في الدنيا لشربة الخمر. وقيل: لا يأثمون في شربها.
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} بالخدمة، {غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ} في الحسن والبياض والصفاء، {لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} مخزون مصون لم تمسه الأيدي. قال سعيد بن جبير: يعني في الصدف.
قال عبدالله بن عمر: وما من أحد من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألف غلام، وكل غلام على عمل ما عليه صاحبه.
وروي عن الحسن أنه لما تلا هذه الآية قال: قالوا يا رسول الله: الخادم كاللؤلؤ المكنون، فكيف المخدوم؟.
وعن قتادة أيضًا قال: ذكر لنا أن رجلا قال: يا نبي الله هذا الخادم فكيف المخدوم؟ قال: «فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} يسأل بعضهم بعضًا في الجنة. قال ابن عباس: يتذاكرون ما كانوا فيه من التعب والخوف في الدنيا.
{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا} في الدنيا {مُشْفِقِينَ} خائفين من العذاب.


{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} بالمغفرة، {وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} قال الكلبي: عذاب النار. وقال الحسن: {السموم} اسم من أسماء جهنم.
{إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ} في الدنيا، {نَدْعُوهُ} نخلص له العبادة، {إِنَّه} قرأ أهل المدينة والكسائي {أنه} بفتح الألف، أي: لأنه أو بأنه، وقرأ الآخرون بالكسر على الاستئناف، {هُوَ الْبَرُّ} قال ابن عباس: اللطيف. وقال الضحاك: الصادق فيما وعد {الرَّحِيمُ}.
{فَذَكِّرْ} يا محمد بالقرآن أهل مكة، {فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} برحمته وعصمته، {بِكَاهِنٍ} تبتدع القول وتخبر بما في غد من غير وحي، {وَلا مَجْنُونٍ} نزلت في الذين اقتسموا عِقَابَ مكة يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكهانة والسحر والجنون والشعر.
{أَمْ يَقُولُونَ} بل يقولون، يعني: هؤلاء المقتسمين الخراصين، {شَاعِرٌ} أي: هو شاعر، {نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} حوادث الدهر وصروفه فيموت ويهلك كما هلك من قبله من الشعراء، ويتفرق أصحابه وإن أباه مات شابًا ونحن نرجو أن يكون موته كموت أبيه، و{المنون} يكون بمعنى الدهر، ويكون بمعنى الموت، سُمِّيَا بذلك لأنهما يقطعان الأجل.
{قُلْ تَرَبَّصُوا} انتظروا بي الموت، {فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} من المنتظرين حتى يأتي أمر الله فيكم، فعُذِّبوا يوم بدر بالسيف.
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ} عقولهم، {بِهَذَا} وذلك أن عظماء قريش كانوا يُوصَفُون بالأحلام والعقول، فأزرى الله بعقولهم حين لم تتميز لهم معرفة الحق من الباطل، {أَمْ هُمْ} بل هم {قَوْمٌ طَاغُونَ}.

1 | 2 | 3 | 4